للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ دِرْبَاسٍ الشَّافِعِيُّ جُزْءًا سَمَّاهُ: " تَنْزِيهُ أَئِمَّةِ الشَّرِيعَةِ عَنْ الْأَلْقَابِ الشَّنِيعَةِ " ذَكَرَ فِيهِ كَلَامَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ فِي مَعَانِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ يُلَقِّبُ " أَهْلَ السُّنَّةِ " بِلَقَبِ افْتَرَاهُ - يَزْعُمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى رَأْيِهِ الْفَاسِدِ - كَمَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُلَقِّبُونَ النَّبِيَّ بِأَلْقَابِ افْتَرَوْهَا. فَالرَّوَافِضُ تُسَمِّيهِمْ نَوَاصِبَ وَالْقَدَرِيَّةُ يُسَمُّونَهُمْ مُجْبِرَةً وَالْمُرْجِئَةُ تُسَمِّيهِمْ شَكَّاكًا وَالْجَهْمِيَّة تُسَمِّيهِمْ مُشَبِّهَةً وَأَهْلُ الْكَلَامِ يُسَمُّونَهُمْ حَشْوِيَّةً وَنَوَابِتَ وَغُثَاءً وَغُثْرًا إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ. كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمِّي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً مَجْنُونًا وَتَارَةً شَاعِرًا وَتَارَةً كَاهِنًا وَتَارَةً مُفْتَرِيًا. قَالُوا فَهَذِهِ عَلَامَةُ الْإِرْثِ الصَّحِيحِ وَالْمُتَابَعَةِ التَّامَّةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ هِيَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ اعْتِقَادًا وَاقْتِصَادًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا؛ فَكَمَا أَنَّ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْهُ يُسَمُّونَهُمْ بِأَسْمَاءِ مَذْمُومَةٍ مَكْذُوبَةٍ - وَإِنْ اعْتَقَدُوا صِدْقَهَا بِنَاءً عَلَى عَقِيدَتِهِمْ الْفَاسِدَةِ - فَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ لَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ؛ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَأَمَّا الَّذِينَ وَافَقُوهُ بِبَوَاطِنِهِمْ وَعَجَزُوا عَنْ إقَامَةِ الظَّوَاهِرِ وَاَلَّذِينَ وَافَقُوهُ بِظَوَاهِرِهِمْ وَعَجَزُوا عَنْ تَحْقِيقِ الْبَوَاطِنِ وَاَلَّذِينَ وَافَقُوهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ: فَلَا بُدَّ لِلْمُنْحَرِفِينَ عَنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَعْتَقِدُوا فِيهِمْ نَقْصًا يَذُمُّونَهُمْ بِهِ