للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ مَوْصُوفًا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ بِأَنَّ لَهُ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَكَلَامًا وَمَشِيئَةً - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَرَضًا؛ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ - جَازَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ اللَّهِ وَيَدَاهُ صِفَاتٌ لَيْسَتْ أَجْسَامًا يَجُوزُ عَلَيْهَا مَا يَجُوزُ عَلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي حَكَاهُ الخطابي وَغَيْرُهُ عَنْ السَّلَفِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ جُمْهُورِهِمْ وَكَلَامُ الْبَاقِينَ لَا يُخَالِفُهُ؛ وَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ فَإِنَّ الصِّفَاتِ كَالذَّاتِ. فَكَمَا أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ فَصِفَاتُهُ ثَابِتَةٌ حَقِيقِيَّةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ. فَمَنْ قَالَ: لَا أَعْقِلُ عِلْمًا وَيَدًا إلَّا مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ وَالْيَدِ الْمَعْهُودَيْنِ. قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ تَعْقِلُ ذَاتًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ذَوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ؛ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صِفَاتِ كُلِّ مَوْصُوفٍ تُنَاسِبُ ذَاتَه وَتُلَائِمُ حَقِيقَتَهُ؛ فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ - الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ - إلَّا مَا يُنَاسِبُ الْمَخْلُوقَ فَقَدْ ضَلَّ فِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذا قَالَ لَك الجهمي كَيْفَ اسْتَوَى أَوْ كَيْفَ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا أَوْ كَيْفَ يَدَاهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ هُوَ فِي ذَاتِهِ؟ فَإِذَا قَالَ لَك لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ إلَّا هُوَ وَكُنْهُ الْبَارِي تَعَالَى غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلْبَشَرِ. فَقُلْ لَهُ: فَالْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفِ؛ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفِيَّةَ صِفَةٍ لِمَوْصُوفِ