للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُخْتَصٌّ بِالْعَرْشِ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَارَةً كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ وَتَارَةً لَمْ يَكُنْ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْعُلُوُّ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالسَّمْعِ مَعَ الْعَقْلِ؛ وَالشَّرْعِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْمُثْبِتَةِ وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ: فَمِنْ الصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالسَّمْعِ فَقَطْ دُونَ الْعَقْلِ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْمَعِيَّةِ وَبِالْقُرْبِ. وَ " الْمَعِيَّةُ " مَعِيَّتَانِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ. فَالْأُولَى قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} . وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ. وَأَمَّا " الْقُرْبُ " فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} وَقَوْلِهِ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْكُمْ} . وَافْتَرَقَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ (أَرْبَعَ فِرَقٍ: " فالْجَهْمِيَّة " الْنُّفَاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا هُوَ دَاخِلُ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجُ الْعَالَمِ وَلَا فَوْقَ وَلَا تَحْتَ؛ لَا يَقُولُونَ بِعُلُوِّهِ وَلَا بِفَوْقِيَّتِهِ؛ بَلْ الْجَمِيعُ عِنْدَهُمْ مُتَأَوِّلٌ أَوْ مُفَوِّضٌ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْبِدَعِ قَدْ يَتَمَسَّكُونَ بِنُصُوصِ؛ كَالْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ إلَّا الْجَهْمِيَّة؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُوَافِقُ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ النَّفْيِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَيُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: " الْجَهْمِيَّة " خَارِجُونَ عَنْ