للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيُقَالُ لَهُمْ " أَوَّلًا ": فَحِينَئِذٍ إذَا كَانَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ إنَّمَا يُفِيدُهُمْ مُجَرَّدُ الضَّلَالِ؛ وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُونَ الْهُدَى مِنْ عُقُولِهِمْ: كَانَ الرَّسُولُ قَدْ نَصَبَ لَهُمْ أَسْبَابَ الضَّلَالِ وَلَمْ يَنْصِبْ لَهُمْ أَسْبَابَ الْهُدَى وَأَحَالَهُمْ فِي الْهُدَى عَلَى نُفُوسِهِمْ فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ تَرْكَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ الَّتِي لَمْ تَنْفَعْهُمْ؛ بَلْ ضَرَّتْهُمْ. وَيُقَالُ لَهُمْ " ثَانِيًا ": فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ الْإِثْبَاتَ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ فِي الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِ الْنُّفَاةِ؛ مِثْلُ ذِكْرِهِ لِخَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَعِلْمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ - أَعْظَمَ مِمَّا يُعْلَمُ نَفْيُ الْجَهْمِيَّة وَهُوَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يُنَاقِضُ هَذَا الْإِثْبَاتَ فَكَيْفَ يُحِيلُهُمْ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَقْلِ فِي النَّفْيِ الَّذِي هُوَ أَخْفَى وَأَدَقُّ؟ وَكَلَامُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ؛ بَلْ دَلَّ عَلَى نَقِيضِهِ وَضِدِّهِ وَمَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ عَلَى مَا يَقُولُ. وَ " الْمَرَاتِبُ ثَلَاثٌ ": إمَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْهُدَى أَوْ بِالضَّلَالِ أَوْ يَسْكُتُ عَنْهُمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّكُوتَ عَنْهُمَا خَيْرٌ مِنْ التَّكَلُّمِ بِمَا يَضِلُّ وَهُنَا يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ أَنَّ الْإِثْبَاتَ لَمْ يَسْكُتْ عَنْهُ؛ بَلْ بَيَّنَهُ وَكَانَ مَا جَاءَ بِهِ السَّمْعُ مُوَافِقًا لِلْعَقْلِ؛ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيمَا يَنْفِيهِ الْعَقْلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِالنَّفْيِ؛ كَمَا فَعَلَ فِيمَا يُثْبِتُهُ الْعَقْلُ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ السُّكُوتُ عَنْهُ أَسْلَمُ لِلْأُمَّةِ. أَمَّا إذَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَأَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَعْتَقِدُوا إلَّا النَّفْيَ؛ لِكَوْنِ مُجَرَّدِ عُقُولِهِمْ تَعْرِفُهُمْ بِهِ فَإِضَافَةُ هَذَا إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ.