وَفِيمَا كَتَبْنَا مِنْ الْآيَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنْ الْجَهْمِيَّة: أَنَّ اللَّهَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} إنَّمَا أَرَادَ بِعِلْمِهِ لَا بِذَاتِهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " شَرْحِ الْمُوَطَّأِ " لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ النُّزُولِ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَات؛ كَمَا قَالَتْ الْجَمَاعَةُ؛ وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ: وَهَذَا أَشْهَرُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ حِكَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُوقِفْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ؛ وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمْ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} هُوَ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ؛ وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ. فَهَذَا مَا تَلَقَّاهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ؛ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ؛ إذْ هُوَ الْحَقُّ الظَّاهِرُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ؛ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِخَيْرِ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا؛ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute