الْمَوْصُوفَ مُرَكَّبٌ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْأَجْزَاءَ الذَّاتِيَّةَ. كَمَا يَقُولُونَ: الْإِنْسَانُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ؛ أَوْ مِنْ الْحَيَوَانِيَّةِ والناطقية؛ وَهَذَا التَّرْكِيبُ تَرْكِيبٌ ذِهْنِيٌّ؛ فَالْمَاهِيَّةُ الْمُرَكَّبَةُ فِي الذِّهْنِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَهِيَ أَجْزَاءُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ. وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ فَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ؛ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوُجُودُ الذِّهْنِيِّ بِالْخَارِجِيِّ وَهَذَا الْغَلَطُ وَقَعَ كَثِيرًا فِي أَقْوَالِ الْمُتَفَلْسِفَةِ؛ فَأَوَائِلُهُمْ كَأَصْحَابِ فيثاغورس كَانُوا يَقُولُونَ بِوُجُودِ أَعْدَادٍ مُجَرَّدَةٍ عَنْ الْمَعْدُودَاتِ فِي الْخَارِجِ؛ وَأَصْحَابُ أَفْلَاطُونَ يَقُولُونَ: بِوُجُودِ الْمُثُلِ الأفلاطونية وَهِيَ الْحَقَائِقُ الْمُطْلَقَةُ عَنْ الْمُعَيَّنَاتِ فِي الْخَارِجِ. وَهَذِهِ الْحَقَائِقُ مُقَارِنَةٌ لِلْمُعَيَّنَاتِ فِي الْخَارِجِ كَمَا أَثْبَتُوا جَوَاهِرَ عَقْلِيَّةً؛ وَهِيَ الْمُجَرَّدَاتُ: كَالْمَادَّةِ وَالْهَيُولَى؛ وَالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْمَاهِيَّةِ الَّتِي تَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْأَنْوَاعُ وَيُسَمُّونَهَا الْأَجْنَاسَ وَالْفُصُولَ؛ وَبَيْنَ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ اللَّازِمَةِ لِلْمَاهِيَّةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا خَوَّاصًا وَأَعْرَاضًا عَامَّةً؛ وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ هِيَ الْكُلِّيَّاتُ وَهِيَ الْجِنْسُ وَالْفَصْلُ وَالنَّوْعُ وَالْعَرَضُ الْعَامُّ وَالْخَاصَّةُ وَقَدْ وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْغَلَطِ فِي " مَنْطِقِهِمْ " وَفِي " الْإِلَهِيَّاتِ " مَا ضَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْخَلْقِ؛ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا لَا يَتَّسِعُ لَهُ هَذَا الْمَوْضِعُ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَفْظُ الْمُرَكَّبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute