{وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} وَقَالَ: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} كَأَنَّهُ عِجْلٌ مُصْمَتٌ لَا جَوْفَ لَهُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِ خَارَ خورة. وَلَمْ يَقُلْ عِجْلًا لَهُ جَسَدٌ لَهُ بَدَنٌ لَهُ جِسْمٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ عِجْلٍ لَهُ جَسَدٌ هُوَ بَدَنُهُ وَهُوَ جِسْمُهُ وَالْعِجْلُ الْمَعْرُوفُ جَسَدٌ فِيهِ رُوحٌ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ كَانَ جَسَدًا مُصْمَتًا لَا رُوحَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ نَقْصُهُ وَأَنَّهُ كَانَ مَسْلُوبَ الْحَيَاةِ وَالْحَرَكَةِ. وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّهُ إنَّمَا خَارَ خورة وَاحِدَةً وَقَدْ يُقَالُ: إنْ أُرِيدَ بِالْجَسَدِ الْمُصْمَتُ أَوْ الْغَلِيظُ وَنَحْوُهُ فَلِمَ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ ذَكَرَ لِبَيَانِ نَقْصِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ بَلْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ضَلُّوا بِهِ وَإِنَّمَا كَانَ النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ {أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ لَا حَيَاةَ فِيهِ فَالنَّقْصُ كَانَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْحَيَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَهُ بَدَنٌ أَوْ لَيْسَ لَهُ بَدَنٌ؛ فَالْآدَمِيُّ لَهُ بَدَنٌ. وَلَوْ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا كَسَائِرِ الْعُجُولِ أَوْ آدَمِيًّا كَامِلًا أَوْ فَرَسًا حَيًّا أَوْ جَمَلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ: لَكَانَ أَيْضًا لَهُ بَدَنٌ وَلَكِنَّ ذَلِكَ أُعْجُوبَةٌ عَظِيمَةٌ وَكَانَتْ الْفِتْنَةُ بِهِ أَشَدَّ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُخْرَجَ كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ النَّقْصِ يُحَقِّقُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute