للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا طَرِيقُ إلْزَامِهِ لِمُنَازِعِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِتَسْلِيمِ أَرْبَابِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الَّتِي لَمْ يُعَارِضْهَا عَقْدٌ وَلَا قَصْدٌ يُخَالِفُ فِطْرَتَهَا فَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الَّتِي لَا هَوَى لَهَا وَلَا اعْتِقَادَ يُخَالِفُ ذَلِكَ تُقِرُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ مَعْلُومَةٌ عِنْدَهُمْ بِالضَّرُورَةِ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَأَنَّ الْمُنَازِعَ فِيهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ فِطْرَتُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا لِاعْتِقَادِ أَوْ هَوًى فَإِنَّ الْحِسَّ كَمَا قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُ غَلَطَهُ فَكَذَلِكَ الْعَقْلُ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُ غَلَطَهُ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ حَقٌّ أَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ جَاءُوا بِمَا يُوَافِقُهَا لَا بِمَا يُخَالِفُهَا وَكَذَلِكَ " سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ " مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ يُوَافِقُونَ مُقْتَضَاهَا؛ لَا يُخَالِفُونَهَا. وَلَمْ يُخَالِفْ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الضَّرُورِيَّةَ مَنْ لَهُ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ؛ بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ يَقُولُونَ بِمُوجِبِهَا وَإِنَّمَا خَالَفَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ: كَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ؛ وَاَلَّذِينَ خَالَفُوهَا - عُقَلَاؤُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ - تَنَاقَضُوا فِي ذَلِكَ وَادَّعَوْا الضَّرُورَةَ فِي قَضَايَا مَنْ جِنْسِهَا وَهِيَ أَبْيَنُ مِنْهَا وَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ ذَلِكَ أَدَّى بِهِ الْأَمْرُ إلَى جَحْدِ عَامَّةِ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحِسِّيَّاتِ فَالْمُنْكِرُ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ هُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ جَحْدَ عَامَّةِ الضَّرُورِيَّاتِ وَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِقَضَايَا - مِنْ جِنْسِهَا ضَرُورِيَّةً - دُونَ هَذِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالْجَلَاءِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ هُوَ جِسْمٌ وَلَا مُتَحَيِّزٌ تَنَازَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ: هَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَالَمِ أَمْ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ؟ فَقَالَ طَوَائِفُ