وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَقِيقَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا يَتَمَيَّزُ بِهَا عَمَّا سِوَاهُ وَكُلٌّ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ يُقَالُ لَهُ: ذَاتٌ فَكُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي مُسَمَّى الذَّاتِ كَمَا هِيَ مُشْتَرِكَةٌ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مِنْ الذَّاتَيْنِ مَا تَخْتَصُّ بِهِ عَنْ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ مِنْ الْمَوْجُودَيْنِ مَا يُمَيِّزُهُ عَنْ الْآخَرِ فَإِذَا قُدِّرَ ذَاتٌ مُطْلَقَةٌ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا كَوُجُودِ مُطْلَقٍ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ. فَلَا بُدَّ أَنْ تَخْتَصَّ كُلُّ ذَاتٍ بِمَا يَخُصُّهَا وَذَلِكَ الَّذِي يَخُصُّهَا مَا تُوصَفُ بِهِ مِنْ الْخَصَائِصِ فَذَاتٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا تُوصَفُ بِهَا مُحَالٌ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ: التَّنْبِيهُ عَلَى مَجَامِعِ مَقَالَاتِ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَهْلُ الْإِثْبَاتِ وَهُوَ امْتِنَاعُ وُجُودِ مَوْجُودَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا دَاخِلًا فِي الْآخَرِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ وَلَا مُبَايِنًا لَهُ وَلَا محايثا لَهُ وَامْتِنَاعُ وُجُودِ مَوْجُودٍ لَا يُشَارُ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَحَلِّهِ وَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لَزِمَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْإِقْرَارُ بِقَضَايَا ضَرُورِيَّةٍ هَذِهِ أَبْيَنُ مِنْهَا. وَإِمَّا جَحْدُ عَامَّةِ الْقَضَايَا الضَّرُورِيَّةِ الْحِسِّيَّةِ. وَذَكَرْت مَقَالَاتِ النَّاسِ لِيَتَبَيَّنَ مُنَاظَرَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. فَيَقُولُ الْمُثْبِتُونَ لِمُبَايَنَةِ اللَّهِ: مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ لَيْسَ بِجِسْمِ وَلَا مُتَحَيِّزٍ فَاسْتِوَاؤُهُ عَلَى عَرْشِهِ ثَابِتٌ بِالسَّمْعِ وَعُلُوُّهُ وَمُبَايَنَتُهُ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ مَعَ السَّمْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute