للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مَا يُرَادُ مِنْهُ بِالتَّأْوِيلِ هَذَا الْمَعْنَى. ثُمَّ لَمَّا شَاعَ هَذَا بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: صَارُوا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ} . ثُمَّ طَائِفَةٌ تَقُولُ: لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ. وَكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ غالطة؛ فَإِنَّ هَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ انْتِفَاءَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ. وَهَذَا مِثْلُ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ. وَتِلْكَ التَّأْوِيلَاتُ بَاطِلَةٌ وَاَللَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِكَلَامِهِ وَمَا لَمْ يُرِدْهُ لَا نَقُولُ إنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُرَادُهُ فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لَا يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْكَذِبَ؛ وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ قَدْ عَلِمْنَا بِطَرِيقِ خَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَفْسِهِ - بَلْ وَبِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ أَنَّ اللَّهَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى - أَنَّ اللَّهَ يُوصَفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ: مَوْصُوفٌ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَهَذِهِ صِفَاتُ كَمَال. وَالْخَالِقُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْمَخْلُوقِ. فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَخْلُوقُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ دُونَ الْخَالِقِ. وَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مُشْتَرَكٍ كُلِّيٍّ: يَقْتَضِي مِنْ الْمُوَاطَأَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُشَابَهَةِ مَا بِهِ تُفْهَمُ وَتُثْبَتُ هَذِهِ الْمَعَانِي لِلَّهِ؛ لَمْ نَكُنْ قَدْ عَرَفْنَا عَنْ اللَّهِ شَيْئًا وَلَا صَارَ فِي قُلُوبِنَا إيمَانٌ بِهِ وَلَا عِلْمٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ وَلَا مَحَبَّةٌ