عَنْ أَصْحَابِهِمَا} وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ: فَلَمَّا أَمَرَ بِقِرَاءَتِهِمَا وَذَكَرَ مَجِيئَهُمَا يُحَاجَّانِ عَنْ الْقَارِئِ: عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ قِرَاءَةَ الْقَارِئِ لَهُمَا وَهُوَ عَمَلُهُ وَأَخْبَرَ بِمَجِيءِ عَمَلِهِ الَّذِي هُوَ التِّلَاوَةُ لَهُمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا كَمَا أَخْبَرَ بِمَجِيءِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ. وَهَذَا فِيهِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: هَلْ يُقَلِّبُ اللَّهُ الْعَمَلَ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ أَمْ الْأَعْرَاضُ لَا تَنْقَلِبُ جَوَاهِرَ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ} . وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخْبَرَ بِمَجِيءِ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ؛ الَّتِي هِيَ عَمَلُهُ وَذَلِكَ هُوَ ثَوَابُ قَارِئِ الْقُرْآنِ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ نَفْسَ كَلَامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ يَتَصَوَّرُ صُورَةَ غَمَامَتَيْنِ. فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حُجَّةٌ للجهمية عَلَى مَا ادَّعَوْهُ. ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد فِي الْمِحْنَةِ عَارَضَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} قَالَ قِيلَ: إنَّمَا يَأْتِي أَمْرُهُ هَكَذَا نَقَلَ حَنْبَلٌ؛ وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا غَيْرُهُ مِمَّنْ نَقَلَ مُنَاظَرَتَهُ فِي " الْمِحْنَةِ " كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَد وَصَالِحِ بْنِ أَحْمَد والمروذي وَغَيْرِهِ؛ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَد فِي ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: غَلِطَ حَنْبَلٌ لَمْ يَقُلْ أَحْمَد هَذَا. وَقَالُوا حَنْبَلٌ لَهُ غَلَطَاتٌ مَعْرُوفَةٌ وَهَذَا مِنْهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي إسْحَاقَ بْنِ شاقلا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute