مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ: إنَّ الْفَلَكَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ وَإِنَّهُ أَبْدَعَهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ. وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ إذَا كَانَ حَاصِلًا بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ وَقُدْرَتِهِ لَمْ يَكُنْ أَزَلِيًّا. فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَصْلِ ابْنِ كُلَّابٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْحَارِثِ المحاسبي وَأَبِي الْعَبَّاسِ القلانسي وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْقُضَاةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَأَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ وَأَبِي جَعْفَرٍ السَّمَّانِيِّ وَأَبِي الْوَلِيدِ الباجي وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَعْيَانِ؛ كَأَبِي الْمَعَالِي الجُوَيْنِي وَأَمْثَالِهِ؛ وَأَبِي الْوَفَاءِ بْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِي وَأَمْثَالِهِمَا: أَنَّ الرَّبَّ لَا يَقُومُ بِهِ مَا يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَيُعَبِّرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَا تُحِلُّهُ الْحَوَادِثُ وَوَافَقُوا فِي ذَلِكَ الْجَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعَهُ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ صَارُوا فِيمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ: إمَّا أَنْ يَجْعَلُوهَا كُلَّهَا مَخْلُوقَاتٍ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ. فَيَقُولُونَ: كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ عَنْهُ؛ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ. وَكَذَلِكَ رِضَاهُ وَغَضَبُهُ وَفَرَحُهُ وَمَجِيئُهُ وَإِتْيَانُهُ وَنُزُولُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ هُوَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَتَّصِفُ الرَّبُّ بِشَيْءِ يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ. وَإِذَا قَالُوا هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ: فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْ اللَّهِ بَائِنَةٌ وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَيْهِ؛ لَا أَنَّهَا صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute