للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَهُ جِسْمٌ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ جِسْمٌ أَيْ لَهُ غِلَظٌ وَضَخَامَةٌ بِخِلَافِ هَذَا وَقَدْ يُرَادُ بِالْجِسْمِ نَفْسُ الْغِلَظِ والضخم. وَقَدْ ادَّعَى طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْنُّفَاةِ أَنَّ الْجِسْمَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُؤَلَّفُ الْمُرَكَّبُ وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُمْ لَفْظَ الْجِسْمِ فِي كُلِّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ؛ قَالُوا: لِأَنَّ كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ اللَّذَيْنِ هُمَا جَوْهَرَانِ عَقْلِيَّانِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ هَذَا مُرَكَّبًا مُؤَلَّفًا؛ فَالْجِسْمُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ الْمُؤَلَّفُ الْمُرَكَّبُ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: رَجُلٌ جَسِيمٌ وَزَيْدٌ أَجْسَمُ مِنْ عَمْرٍو إذَا كَثُرَ ذَهَابُهُ فِي الْجِهَاتِ وَلَيْسَ يَقْصِدُونَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِمْ: أَجْسَمُ وَجَسِيمٌ إلَّا كَثْرَةَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْضَمَّةِ وَالتَّأْلِيفَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: أَجْسَمُ فِيمَنْ كَثُرَتْ عُلُومُهُ وَقَدْرُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ وَصِفَاتُهُ غَيْرُ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى إذَا كَثُرَ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ بِتَزَايُدِ أَجْزَائِهِ قِيلَ: أَجْسَمُ وَرَجُلٌ جَسِيمٌ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: جَسَّمَ؛ مُفِيدٌ لِلتَّأْلِيفِ. فَهَذَا أَصْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْنُّفَاةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: سَمْعِيٍّ لُغَوِيٍّ وَنَظَرِيٍّ عَقْلِيٍّ فِطْرِيٍّ. أَمَّا السَّمْعِيُّ اللُّغَوِيُّ فَقَوْلُهُمْ: إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ عَلَى الْمُرَكَّبِ