للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَكْثَرُ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُنْقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَاطِبَةً أَنَّهُمْ أَرَادُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ جَسِيمٌ وَأَجْسَمُ. وَالْمَعْنَى الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ لَا يَكُونُ مُسَمَّاهُ مَا لَا يَفْهَمُهُ إلَّا بَعْضُ النَّاسِ وَإِثْبَاتُ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَمْرٌ خُصَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ؛ فَلَا يَكُونُ مُسَمَّى الْجِسْمِ فِي اللُّغَةِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا " الْأَصْلُ الثَّانِي الْعَقْلِيُّ " فَقَوْلُهُمْ؛ إنَّ كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ؛ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَهَذَا بَحْثٌ عَقْلِيٌّ وَأَكْثَرُ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ - مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَغَيْرِ أَهْلِ الْكَلَامِ - يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَكَّبًا مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْكُلَّابِيَة - وَهُوَ إمَامُ الْأَشْعَرِيِّ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ - وَهُوَ قَوْلُ الهشامية والنجارية والضرارية وَبَعْضِ الكَرَّامِيَة. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا " الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ " زَعَمُوا أَنَّا لَا نَعْلَمُ: لَا بِالْحِسِّ وَلَا بِالضَّرُورَةِ أَنَّ اللَّهَ أَبْدَعَ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا نَشْهَدُهُ مَخْلُوقٌ - مِنْ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَبَنِيَّ آدَمَ وَغَيْرِ بَنِي آدَمَ - فَإِنَّ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَحْدَثُ أَكْوَانًا فِي الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ كَالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَمَّا خَلَقَنَا أَحْدَثَ أَبْدَانَنَا قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا أَوْ شَجَرًا وَثَمَرًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَحْدَثَ عِنْدَهُمْ أَعْرَاضًا. وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ الْمُنْفَرِدَةُ فَلَمْ تَزَلْ مَوْجُودَةً. ثُمَّ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا مُحْدَثَةٌ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُمْ عَلِمُوا حُدُوثَهَا بِأَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ؛ فَهُوَ حَادِثٌ.