مَوْجُودٌ جِسْمًا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ؛ قَالُوا: فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ إلَّا عَلَى الْمُرَكَّبِ. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ عَلَى اللُّغَةِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَمُّونَ كُلَّ مَا هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ جِسْمًا وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّوْا كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ وَتُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَيْهِ جِسْمًا وَادَّعَوْا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُرَكَّبٌ؛ وَأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ مُرَكَّبًا. فَالْخَطَأُ فِي اللُّغَةِ وَالِابْتِدَاعُ فِي الشَّرْعِ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ. وَأَمَّا الْمَعَانِي: فَمَنْ أَثْبَتَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَهُوَ مُخْطِئٌ عَقْلًا كَمَا هُوَ مُخْطِئٌ شَرْعًا. بَلْ أُولَئِكَ يَقُولُونَ لَهُمْ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ يُسَمَّى جِسْمًا فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ثُمَّ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الْخَالِقَ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ يَخْتَصُّ بِمَا يَمْنَعُ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ الَّتِي اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَيْهَا؛ فَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ وَنَقُولُ: لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ. وَلِهَذَا كَرِهَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ - كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ - أَنْ تُرَدَّ الْبِدْعَةُ بِالْبِدْعَةِ فَكَانَ أَحْمَد فِي مُنَاظَرَتِهِ للجهمية لَمَّا نَاظَرُوهُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَأَلْزَمَهُ " أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بُرْغُوثٌ " أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جِسْمًا وَهَذَا مُنْتَفٍ؛ فَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحْمَد: لَا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ وَلَا عَلَى إثْبَاتِهِ؛ بَلْ قَالَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {اللَّهُ الصَّمَدُ} {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute