الْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ سُقُوطُهُ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ؛ فَإِنَّهُ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يُقَالُ: إنَّهَا غَابَتْ الْكَوَاكِبُ وَاحْتَجَبَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي السَّمَاءِ وَلَكِنْ طَمَسَ ضَوْءُ الشَّمْسِ نُورَهَا. وَهَذَا مِمَّا يَنْحَلُّ بِهِ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ عَلَى الْآيَةِ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ أُفُولِ الْقَمَرِ وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُلْ: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} لَمَّا رَأَى الْكَوْكَبَ يَتَحَرَّكُ؛ وَالْقَمَرَ وَالشَّمْسَ بَلْ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حِينَ غَابَ وَاحْتَجَبَ. فَإِنْ كَانَ إبْرَاهِيمُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ الِاحْتِجَاجَ بِالْأُفُولِ عَلَى نَفْيِ كَوْنِ الْآفِلِ رَبَّ الْعَالَمِينَ - كَمَا ادَّعَوْهُ - كَانَتْ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ بُزُوغَهُ وَحَرَكَتَهُ فِي السَّمَاءِ إلَى حِينِ الْمَغِيبِ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ بَلْ إنَّمَا جَعَلَ الدَّلِيلَ مَغِيبَهُ. فَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ مَقْصُودِهِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ صَحِيحًا فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى نَقِيضِ مَطْلُوبِهِمْ وَعَلَى بُطْلَانِ كَوْنِ الْحَرَكَةِ دَلِيلَ الْحُدُوثِ. لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَقْصِدْ هَذَا وَلَا كَانَ قَوْلُهُ: {هَذَا رَبِّي} أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَلَا اعْتَقَدَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنَّ كَوْكَبًا مِنْ الْكَوَاكِبِ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَوْمُ إبْرَاهِيمَ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ؛ بَلْ كَانُوا مُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَيَدْعُونَهَا وَيَبْنُونَ لَهَا الْهَيَاكِلَ وَيَعْبُدُونَ فِيهَا أَصْنَامَهُمْ وَهُوَ دِينُ الْكَلْدَانِيِّينَ والكشدانيين وَالصَّابِئِينَ الْمُشْرِكِينَ؛ لَا الصَّابِئِينَ الْحُنَفَاءِ وَهُمْ الَّذِينَ صَنَّفَ صَاحِبُ " السِّرِّ الْمَكْتُومِ فِي السِّحْرِ وَمُخَاطَبَةِ النُّجُومِ " كِتَابَهُ عَلَى دِينِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute