للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا السَّائِلُ الطَّالِبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الَّذِي شَفَعَ فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الْمُشَفَّعُ لَيْسَ الْمُشَفَّعُ الَّذِي يُسْتَشْفَعُ بِهِ. وَلِهَذَا يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا رَبِّ شَفِّعْنِي فَيُشَفِّعْهُ اللَّهُ فَيَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُشَفِّعَهُ لَا أَنْ يُشَفِّعْ طَالِبِي شَفَاعَتِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ: وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعْك اللَّهُ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ طَلَبَ شَفَاعَتِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعِنْدَ قَبْرِهِ لَيْسَ مَشْرُوعًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ذَكَرَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ذَكَرُوا حِكَايَةً عَنْ العتبي أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا أَتَى قَبْرَهُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ. وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعِينَ. الَّذِينَ يُفْتَى النَّاسُ بِأَقْوَالِهِمْ وَمَنْ ذَكَرَهَا لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهَا دَلِيلًا شَرْعِيًّا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ طَلَبُ دُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ مَشْرُوعًا لَكَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَسْبَقَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَكَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ مَالِكٌ " لَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا " قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. فَمِثْلُ هَذَا الْإِمَامِ كَيْفَ يَشْرَعُ دِينًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدِ السَّلَفِ وَيَأْمُرُ الْأُمَّةَ أَنْ يَطْلُبُوا الدُّعَاءَ وَالشَّفَاعَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ - بَعْدَ مَوْتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ - مِنْهُمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ؟