للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ الْبَدَنِ جِسْمٌ حَارٌّ أَوْ بَارِدٌ. وَالْغَضَبُ - وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إنَّهُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ فَهُوَ - صِفَةٌ تَقُومُ بِنَفْسِ الْغَضْبَانِ غَيْرُ غَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَثَرُهُ؛ فَإِنَّ حَرَارَةَ الْغَضَبِ تُسَخِّنُ الدَّمَ حَتَّى يَغْلِيَ. فَإِنَّ مَبْدَأَ الْغَضَبِ مِنْ النَّفْسِ هِيَ الَّتِي تَتَّصِفُ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي ذَلِكَ إلَى الْجِسْمِ وَكَذَلِكَ الْحُزْنُ وَالْفَرَحُ وَسَائِرُ الْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ. وَالْحُزْنُ يُوجِبُ دُخُولَ الدَّمِ؛ وَلِهَذَا يَصْفَرُّ لَوْنُ الْحَزِينِ وَهُوَ مِنْ الْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ؛ لَكِنَّ الْحَزِينَ يَسْتَشْعِرُ الْعَجْزَ عَنْ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي أَصَابَهُ وَيَيْأَسُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَيَغُورُ دَمُهُ وَالْغَضْبَانُ يَسْتَشْعِرُ قُدْرَتَهُ عَلَى الدَّفْعِ أَوْ الْمُعَاقَبَةِ؛ فَيَنْبَسِطُ دَمُهُ. وَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي تُوصَفُ بِهَا النَّفْسُ لَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لِمَا يُوصَفُ بِهِ الْجِسْمُ قَالَ تَعَالَى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وَالِاطْمِئْنَانُ هُوَ السُّكُونُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا وَطُمَأْنِينَةً: أَيْ سَكَنَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} {ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} وَكَذَلِكَ لِلْقُلُوبِ سَكِينَةٌ تُنَاسِبُهَا. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ} . وَكَذَلِكَ " الرَّيْبُ " حَرَكَةُ النَّفْسِ لِلشَّكِّ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فَقَالَ لَا يُرِيبُهُ أَحَدٌ} وَيُقَالُ: رَابَنِي مِنْهُ رَيْبٌ و {دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك} وَقَالَ: {الْكَذِبُ رِيبَةٌ وَالصِّدْقُ طُمَأْنِينَةٌ} فَجَعَلَ الطُّمَأْنِينَةَ ضِدَّ الرِّيبَةِ وَكَذَلِكَ الْيَقِينُ ضِدُّ الرَّيْبِ. وَالْيَقِينُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى