للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّفْظُ فَإِنَّ الْحَوْلَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَوْلِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَكَذَلِكَ الْقُوَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْقُوَّةِ عَلَى الطَّاعَةِ بَلْ لَفْظُ الْحَوْلِ يَعُمُّ كُلَّ تَحَوُّلٍ. وَمِنْهُ لَفْظُ " الْحِيلَة " وَوَزْنُهَا فِعْلَةٌ بِالْكَسْرِ وَهِيَ النَّوْعُ الْمُخْتَصُّ مِنْ الْحَوْلِ كَمَا يُقَالُ: الْجِلْسَةُ وَالْقِعْدَةُ وَاللِّبْسَةُ وَالْإِكْلَةُ وَالضِّجْعَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ هِيَ النَّوْعُ الْخَاصُّ وَهُوَ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. فَالْحِيلَةُ أَصْلُهَا حُولَةٌ لَكِنَّ لَمَّا جَاءَتْ الْوَاوُ السَّاكِنَةُ بَعْدَ كَسْرَةٍ قُلِبَتْ يَاءً كَمَا فِي لَفْظِ مِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ وَمِيعَادٍ وَزْنُهُ مفعال؛ وَقِيَاسُهُ موزان وموقات؛ لَكِنْ لَمَّا جَاءَتْ الْوَاوُ السَّاكِنَةُ بَعْدَ كَسْرَةٍ قُلِبَتْ يَاءً قَالَ تَعَالَى: {إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} مِنْ الْحِيَلِ؛ فَإِنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْقُوَّةِ " قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} وَلَفْظُ الْقُوَّةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ فِي الْقُدْرَةِ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهِ؛ فَهُوَ قُدْرَةٌ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ. وَلَفْظُ " الْقُوَّةِ " قَدْ يَعُمُّ الْقُوَّةَ الَّتِي فِي الْجَمَادَاتِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْقُدْرَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ بِلَفْظِ الْقُوَّةِ أَشْمَلَ وَأَكْمَلَ. فَإِذَا لَمْ تَكُنْ قُوَّةٌ إلَّا بِهِ لَمْ تَكُنْ قُدْرَةٌ إلَّا بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي جِنْسِ " الْحَرَكَةِ الْعَامَّةِ " الَّتِي تَتَنَاوَلُ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ مِنْ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْفَرَحِ