للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَظَهَرَتْ مَقَالَةُ الْجَهْمِيَّة الْنُّفَاةِ - نفاة الصِّفَاتِ - قَالُوا: لِأَنَّ إثْبَاتَ الصِّفَاتِ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ " الصِّفَاتِ " الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَعْرَاضٌ وَمَعَانٍ تَقُومُ بِغَيْرِهَا وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمِ؛ لِأَنَّ الْأَجْسَامَ لَا تَخْلُو مِنْ الْأَعْرَاضِ الْحَادِثَةِ وَمَا لَا يَخْلُو مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ مُحْدَثٌ. قَالُوا: وَبِهَذَا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ؛ فَإِنْ بَطَلَ هَذَا بَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ فَيَبْطُلُ الدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ فَيَبْطُلُ الدَّلِيلُ عَلَى إثْبَاتِ الصِّفَاتِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَتْ الْأَعْرَاضُ الَّتِي هِيَ الصِّفَاتُ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ وَالْجِسْمُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَائِهِ وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ غَنِيًّا عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ. قَالُوا: وَلِأَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ؛ فَلَوْ كَانَ لَهُ صِفَاتٌ لَكَانَ مَحْدُودًا مُتَنَاهِيًا؛ وَذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُخَصِّصٌ خَصَّصَهُ بِقَدْرِ دُونَ قَدْرٍ وَمَا افْتَقَرَ إلَى مُخَصِّصٍ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا قَدِيمًا وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ. قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ لَكَانَ جِسْمًا وَلَوْ كَانَ جِسْمًا لَكَانَ مُمَاثِلًا لِسَائِرِ الْأَجْسَامِ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهَا وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.