للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْخَالِقِ وَكَمَالِهِ يَكُونُ فِطْرِيًّا ضَرُورِيًّا فِي حَقِّ مَنْ سَلِمَتْ فِطْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ تَقُومُ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الْكَثِيرَةُ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفِطْرَةِ وَأَحْوَالٍ تَعْرِضُ لَهَا. وَأَمَّا لَفْظُ " الْكَامِلِ ": فَقَدْ نَقَلَ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ الجبائي أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ كَامِلًا وَيَقُولَ: الْكَامِلُ الَّذِي لَهُ أَبْعَاضٌ مُجْتَمِعَةٌ. وَهَذَا النِّزَاعُ إنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَاطِلٌ؛ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْكَمَالِ لَهُ وَنَفْيَ النَّقَائِصِ عَنْهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ. وَزَعَمَتْ " طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ " كَأَبِي الْمَعَالِي وَالرَّازِي والآمدي وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالسَّمْعِ الَّذِي هُوَ " الْإِجْمَاعُ " وَأَنَّ نَفْيَ الْآفَاتِ وَالنَّقَائِصِ عَنْهُ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا بِالْإِجْمَاعِ وَجَعَلُوا الطَّرِيقَ الَّتِي بِهَا نَفَوْا عَنْهُ مَا نَفَوْهُ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ مُسَمَّى الْجِسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَخَالَفُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ شُيُوخُ مُتَكَلِّمَةِ الصفاتية؛ كَالْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي إسْحَاقَ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي إثْبَاتِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ لَهُ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ النَّقَائِصِ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ. وَلِهَذَا صَارَ هَؤُلَاءِ يَعْتَمِدُونَ فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى مُجَرَّدِ السَّمْعِ وَيَقُولُونَ: إذَا كُنَّا نُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ الْآفَاتِ وَنَفْيُ الْآفَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِأَدِلَّةِ سَمْعِيَّةٍ مِنْ الْكِتَابِ