وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَارِئَ مَأْمُورٌ أَنْ يَقْرَأَ بِسْمِ اللَّهِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ؛ بَلْ هِيَ تَابِعَةٌ لِغَيْرِهَا وَهُنَا يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَمَا كَتَبَ سُلَيْمَانُ وَكَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ؛ فَيُنْطَقُ بِنَفْسِ الِاسْمِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ مُسَمَّى لَا يَقُولُ بِاَللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} فَإِنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُنَا قَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} لَمْ يَقُلْ: اقْرَأْ اسْمِ رَبِّك وَقَوْلُهُ: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} يَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرَهُ بِلِسَانِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} فَقَدْ يَتَنَاوَلُ ذِكْرَ الْقَلْبِ. وَقَوْلُهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} هُوَ كَقَوْلِ الْآكِلِ بِاسْمِ اللَّهِ. وَالذَّابِحِ بِاسْمِ اللَّهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ} ". وَأَمَّا التَّسْبِيحُ فَقَدْ قَالَ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وَقَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَقَالَ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} . وَفِي الدُّعَاءِ: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فَقَوْلُهُ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْمَدْعُوِّ لِقَوْلِهِ {أَيًّا مَا} وَقَوْلُهُ {فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} يَقْتَضِي أَنَّ الْمَدْعُوَّ وَاحِدٌ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَقَوْلُهُ {ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} - وَلَمْ يَقُلْ اُدْعُوا بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ - يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمَدْعُوَّ هُوَ الرَّبُّ الْوَاحِدُ بِذَلِكَ الِاسْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute