فَهِيَ تُجَادِلُ وَتَشْتَكِي حَالَ سَمْعِ اللَّهِ تَحَاوُرَهُمَا؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَمْعَهُ كَرُؤْيَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وَقَالَ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فَهَذِهِ رُؤْيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَنَظَرٌ مُسْتَقِلٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَرَى وَلَا يَسْمَعُ مُنْفَصِلًا عَنْ الرَّائِي السَّامِعِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ فَإِذَا وُجِدَتْ الْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ سَمِعَهَا وَرَآهَا. وَ " الرُّؤْيَةُ " وَ " السَّمْعُ " أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَوْصُوفٍ يَتَّصِفُ بِهِ فَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي رَآهَا وَسَمِعَهَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِهَذَا السَّمْعِ وَهَذِهِ الرُّؤْيَةِ. وَأَنْ تَكُونَ قَائِمَةً بِغَيْرِهِ فَتَعَيَّنَ قِيَامُ هَذَا السَّمْعِ وَهَذِهِ الرُّؤْيَةِ بِهِ بَعْدَ أَنْ خُلِقَتْ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَهَذَا مَطْعَنٌ لَا حِيلَةَ فِيهِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى " هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " وَمَا قَالَ فِيهَا عَامَّةُ الطَّوَائِفِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَحُكِيَتْ أَلْفَاظُ النَّاسِ بِحَيْثُ يَتَيَقَّنُ الْإِنْسَانُ أَنَّ النَّافِيَ لَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ لَا سَمْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ؛ وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الصَّرِيحَةَ مُوَافِقَةٌ لِمَذْهَبِ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ؛ وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعَ " الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ ": التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَقَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهَا نُصُوصُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةُ الْعُلَمَاءِ وَدَلَّتْ عَلَيْهَا صَرَائِحُ الْمَعْقُولَاتِ. فَالْمُخَالِفُ فِيهَا كَالْمُخَالِفِ فِي أَمْثَالِهَا مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ لَا سَمْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بالذين قَالُوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute