إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} فَالرَّحْمَةُ ضِدُّ التَّعْذِيبِ وَالتَّعْذِيبُ فِعْلُهُ وَهُوَ يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ؛ كَذَلِكَ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ؛ كَمَا قَالَ: {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} . وَالْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ اللَّازِمَةُ لِذَاتِهِ - أَوْ صِفَةٌ أُخْرَى لِذَاتِهِ - لَيْسَتْ بِمَشِيئَتِهِ؛ فَلَا تَكُونُ الرَّحْمَةُ بِمَشِيئَتِهِ. وَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ بِمَشِيئَتِهِ إلَّا الْمَخْلُوقَاتُ الْمُبَايِنَةُ لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ صِفَةً لِلرَّبِّ بَلْ تَكُونُ مَخْلُوقَةً لَهُ وَهُوَ إنَّمَا يَتَّصِفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ لَا يَتَّصِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ فَلَا يَكُونُ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي} - وَفِي رِوَايَةٍ - تَسْبِقُ غَضَبِي ". وَمَا كَانَ سَابِقًا لِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ وَقُدْرَتِهِ. وَمَنْ قَالَ: مَا ثَمَّ رَحْمَةٌ إلَّا إرَادَةٌ قَدِيمَةٌ أَوْ مَا يُشْبِهُهَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَضَبٌ مَسْبُوقٌ بِهَا فَإِنَّ الْغَضَبَ إنْ فُسِّرَ بِالْإِرَادَةِ فَالْإِرَادَةُ لَمْ تَسْبِقْ نَفْسَهَا وَكَذَلِكَ إنْ فُسِّرَ بِصِفَةِ قَدِيمَةِ الْعَيْنِ فَالْقَدِيمُ لَا يَسْبِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَإِنْ فُسِّرَ بِالْمَخْلُوقَاتِ لَمْ يَتَّصِفْ بِرَحْمَةِ وَلَا غَضَبٍ؛ وَهُوَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ بِقَوْلِهِ: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وَقَوْلُهُ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute