فَإِنْ قِيلَ: إذَا قُلْتُمْ: لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ لَزِمَ وُجُودُ كَلَامٍ لَا ابْتِدَاءَ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَجَبَ أَنْ لَا يَزَالَ كَذَلِكَ؛ فَيَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنْ الْحَوَادِثِ فَإِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِأُخْرَى فَهِيَ حَادِثَةٌ وَوُجُودُ مَا لَا يَتَنَاهَى مُحَالٌ. قِيلَ لَهُ: هَذَا الِاسْتِلْزَامُ حَقٌّ وَبِذَلِكَ يَقُولُونَ: إنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وُجُودُ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنْ الْحَوَادِثِ مُحَالٌ فَهَذَا بِنَاءً عَلَى دَلِيلِهِمْ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ وَحُدُوثِ الْأَجْسَامِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ الْحَوَادِثِ وَمَا لَا يَخْلُو عَنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ وَهَذَا الدَّلِيلُ بَاطِلٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَهُوَ أَصْلُ الْكَلَامِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ وَهُوَ أَصْلُ قَوْلِ الْجَهْمِيَّة نفاة الصِّفَاتِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ فِي مَوَاضِعَ. وَلَكِنْ سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ إذَا مُيِّزَ بَيْنَ حَقِّهِ وَبَاطِلِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ مَا سِوَى اللَّهِ - وَعَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ - وَكَانَ غَلْطَةً مِنْهُمْ وَقَوْلُهُمْ: كُلُّ مَا لَا يَخْلُو مِنْ الْحَوَادِثِ - أَيْ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ - فَهُوَ حَادِثٌ فَأَخَذُوا هَذَا " قَضِيَّةً كُلِّيَّةً " وَقَاسُوا فِيهَا الْخَالِقَ عَلَى الْمَخْلُوقِ قِيَاسًا فَاسِدًا كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ قَالُوا: الْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ أَخَذُوهَا " قَضِيَّةً كُلِّيَّةً ". وَالْغَلَطُ فِي " الْقِيَاسِ " يَقَعُ مِنْ تَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِخِلَافِهِ وَأَخْذِ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ نَوْعَيْهَا فَهَذَا هُوَ " الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute