ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْ " الْمُعْتَزِلَةِ " وَنَحْوِهِمْ يَقُولُونَ: الْوَصْفُ وَالصِّفَةُ اسْمٌ لِلْكَلَامِ فَقَطْ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِالذَّاتِ الْقَدِيمَةِ مَعَانٍ؛ وَكَثِيرٌ مِنْ " مُتَكَلِّمَةِ الصفاتية " يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالصِّفَةِ فَيَقُولُونَ: الْوَصْفُ هُوَ الْقَوْلُ وَالصِّفَةُ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْمَوْصُوفِ؛ وَأَمَّا الْمُحَقِّقُونَ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ تَارَةً وَعَلَى الْمَعْنَى أُخْرَى. وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَدْ صَرَّحَا بِثُبُوتِ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَغَيْرُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا لَفْظُ " الذَّاتِ " فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ تَأْنِيثُ ذُو وَهَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ مُضَافًا إلَى أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَتَوَصَّلُونَ بِهِ إلَى الْوَصْفِ بِذَلِكَ. فَيُقَالُ: شَخْصٌ ذُو عِلْمٍ وَذُو مَالٍ وَشَرَفٍ وَيَعْنِي حَقِيقَتَهُ؛ أَوْ عَيْنٌ أَوْ نَفْسٌ ذَاتُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَدْ يُضَافُ إلَى الْأَعْلَامِ كَقَوْلِهِمْ ذُو عَمْرٍو وَذُو الْكُلَاعِ وَقَوْلِ عُمَرَ: الْغَنِيُّ بِلَالٌ وَذَوُوهُ. فَلَمَّا وَجَدُوا اللَّهَ قَالَ فِي الْقُرْآنِ {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وَ {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} : وَصَفُوهَا، فَقَالُوا: نَفْسٌ ذَاتُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ وَرَحْمَةٍ وَمَشِيئَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ حَذَفُوا الْمَوْصُوفَ وَعَرَّفُوا الصِّفَةَ. فَقَالُوا: الذَّاتُ. وَهِيَ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ؛ لَيْسَتْ قَدِيمَةً وَقَدْ وُجِدَتْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ لَكِنْ بِمَعْنَى آخَرَ مِثْلَ قَوْلِ خبيب الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute