للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: {إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} {وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ السِّرَاجُ الْمَعْرُوفُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ سِرَاجًا بِالْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ؛ وَوُضُوحُ أَدِلَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ: يَعْنِي مُنَوِّرَ " السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ": شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا وَنُجُومَهَا. وَمِنْ كَلَامِ الْعَارِفِينَ: " النُّورُ " هُوَ الَّذِي نَوَّرَ قُلُوبَ الصَّادِقِينَ بِتَوْحِيدِهِ وَنَوَّرَ أَسْرَارَ الْمُحِبِّينَ بِتَأْيِيدِهِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَحْيَا قُلُوبَ الْعَارِفِينَ بِنُورِ مَعْرِفَتِهِ وَنُفُوسِ الْعَابِدِينَ بِنُورِ عِبَادَتِهِ. (وَالْجَوَابُ) : أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَأَمْثَالَهُ لَيْسَ بِاعْتِرَاضِ عَلَيْنَا وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ نَقْصِ حُرْمَتِهِ مِنْهُمْ؛ لِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا أَوْ يَظُنُّ أَنَّا نَقُولُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ} . وَإِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ إخْبَارٌ عَنْ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ يَقُولُ أَقْوَالًا بَاطِلَةً فِي الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَفِيهِ رَدُّ تِلْكَ الْأَقْوَالِ كَانَ هَذَا كَذِبًا وَظُلْمًا؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ مَعَ كَوْنِهِ ظُلْمًا لَنَا يَا لَيْتَهُ كَانَ كَلَامًا صَحِيحًا مُسْتَقِيمًا فَكُنَّا نُحَلِّلُهُ مِنْ حَقِّنَا وَيُسْتَفَادُ مَا فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ وَلَكِنَّ فِيهِ مِنْ تَحْرِيفِ كِتَابِ اللَّهِ وَالْإِلْحَادِ فِي آيَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ مِمَّا فِيهِ؛ لَكِنْ إنْ عَفَوْنَا عَنْ حَقِّنَا فَحَقُّ اللَّهِ إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ.