للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ أَصْلًا يَجْعَلُهُ قَاعِدَةً بِمُجَرَّدِ رَأْيٍ فَهَذَا إنَّمَا يَنْفُقُ عَلَى الْجُهَّالِ بِالدَّلَائِلِ الأغشام فِي الْمَسَائِلِ؛ وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْمَنْقُولَاتِ - الَّتِي لَا يُمَيَّزُ صِدْقُهَا مِنْ كَذِبِهَا وَالْمَعْقُولَاتِ الَّتِي لَا يُمَيَّزُ صَوَابُهَا مِنْ خَطَئِهَا - ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا جَاءَ هَذَا فِي آيَةِ النُّورِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا نُورًا. ثُمَّ نَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ هَادِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَضُرُّنَا وَلَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ النُّورُ فِيهَا مُضَافًا؛ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي تَفْسِيرِ نُورٍ مُطْلَقٍ كَمَا ادَّعَيْت أَنْتَ مِنْ وُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ؛ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ . ثُمَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: هَادِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ نُورًا: فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهِمْ أَنْ يَذْكُرُوا بَعْضَ " صِفَاتِ الْمُفَسَّرِ " مِنْ الْأَسْمَاءِ أَوْ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ؛ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ ثُبُوتَ بَقِيَّةِ الصِّفَات لِلْمُسَمَّى بَلْ قَدْ يَكُونَانِ مُتَلَازِمَيْنِ وَلَا دُخُولَ لِبَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ فِيهِ. وَهَذَا قَدْ قَرَّرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمَنْ تَدَبَّرَهُ عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ مُتَّفِقَةٌ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ. مِثَالُ ذَلِكَ قَوْل بَعْضِهِمْ فِي {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إنَّهُ الْإِسْلَامُ وَقَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ الْقُرْآنُ وَقَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ السُّنَّةُ