الثَّالِثُ: أَنَّهُ خُرُوجٌ إلَى الصَّحْرَاءِ لِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَجِّ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْعِيدُ الْأَكْبَرُ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ موقفة لِلْحَجِيجِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ إذَا عَلِمْنَ أَنَّ صَلَاتَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَمْ يَتَّفِقْ أَكْثَرُهُنَّ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُ الْقُرُونِ عَلَى الْمَفْضُولِ مِنْ الْأَعْمَالِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّفْضِيلُ إنَّمَا وَقَعَ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابِيَّاتِ لَمَّا أَحْدَثَ النِّسَاءُ مَا أَحْدَثْنَ وَلِأَنَّ مَنْ بَعْدَ الرَّسُولِ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا يُسَاوِيهِ؛ فَأَمَّا الصَّحَابِيَّاتُ فَصَلَاتُهُنَّ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَفْضَلَ وَيَكُونُ هَذَا الْخِطَابُ عَامًّا خَرَجَ مِنْهُ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ جَائِزٌ. قُلْنَا: هَذَا خِلَافُ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَخِلَافُ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَخِلَافُ مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءَ وَخِلَافُ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ} قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَاضِرِينَ تَحَقَّقَ دُخُولُهُمْ فِيهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ هَلْ يَدْخُلُونَ بِمُطْلَقِ الْخِطَابِ أَمْ بِدَلِيلِ مُنْفَصِلٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فَأَمَّا دُخُولُ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ فَمُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ. ثُمَّ اللُّغَةُ تُحِيلُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ: {لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ} لَا رَيْبَ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ابْتِدَاءً فَكَيْفَ تُحِيلُ اللُّغَةُ أَنْ لَا يَدْخُلُوا فِيهِ. وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُمْ؟ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا يَشُكُّونَ أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute