أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِخَيْرِ وَشَرٍّ كَمَا جَازَى قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ؛ وَكَمَا جَازَى الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَهُمْ وَلَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ إنَّ لِقَاءَ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي الدُّنْيَا لِقَاءُ اللَّهِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ لِقَاءَ اللَّهِ جَزَاءٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْجَنَّةُ مَثَلًا أَوْ النَّارُ لَقِيلَ لَهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ هَذَا لِقَاءٌ مَخْصُوصٌ وَلَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَالَ لِقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِقَاءُ بَعْضِ مَلَائِكَتِهِ أَوْ بَعْضِ الشَّيَاطِينِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ التَّحَكُّمَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ إذْ لَيْسَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى تَعْيِينِ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى تَعْيِينِ هَذَا فَبَطَلَ ذَلِكَ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ " لِقَاءَ اللَّهِ " لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي لِقَاءِ غَيْرِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا اسْتَعْمَلَ لِقَاءَ زَيْدٍ فِي لِقَاءِ غَيْرِهِ أَصْلًا؛ بَلْ حَيْثُ ذُكِرَ هَذَا اللَّفْظُ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ لِقَاءُ الْمَذْكُورِ؛ إذْ مَا سِوَاهُ لَا يُشْعِرُ اللَّفْظُ بِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} فَلَوْ كَانَ " اللِّقَاءُ " هُوَ لِقَاءُ جَزَائِهِ لَكَانَ هُوَ لِقَاءَ الْأَجْرِ الْكَرِيمِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُمْ وَإِذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ ذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِخْبَارُ بِإِعْدَادِهِ؛ إذْ الْإِعْدَادُ مَقْصُودُهُ الْوُصُولُ فَكَيْفَ يُخْبِرُ بِالْوَسِيلَةِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؟ هَذَا نِزَاعٌ بَيْنَ الْعَيِّ الَّذِي يُصَانُ عَنْهُ كَلَامُ أَوْسَطِ النَّاسِ فَضْلًا عَنْ كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قُرِنَ اللِّقَاءُ بِالتَّحِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي اللِّقَاءِ الْمَعْرُوفِ؛ لَا فِي حُصُولِ شَيْءٍ مِنْ النَّعِيمِ الْمَخْلُوقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute