للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: {تَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَيَنْظُرُ إلَيْكُمْ} عُمُومٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُهُ. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {وَاَللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيَخْلُو اللَّهُ بِهِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ - أَوْ قَالَ - لَيْلَةً يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّك بِي؟ ابْنَ آدَمَ مَا عَمِلْت فِيمَا عَلِمْت؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا أَجَبْت الْمُرْسَلِينَ؟} . فَهَذِهِ أَحَادِيثُ مِمَّا يَسْتَمْسِكُ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى اللَّهِ وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} {قُلْ إنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي رَأَوْهُ هُوَ الْوَعْدُ أَيْ: الْمَوْعُودُ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} ؟ وَتَمَسَّكُوا بِأَشْيَاءَ بَارِدَةٍ فَهِمُوهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ بِحَالِ.

وَأَمَّا الَّذِينَ خَصُّوا " بِالرُّؤْيَةِ " أَهْلَ التَّوْحِيدِ فِي الظَّاهِرِ - مُؤْمِنُهُمْ وَمُنَافِقُهُمْ - فَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ رُؤْيَتَهُ لِكَافِرِ وَمُنَافِقٍ إنَّمَا يُثْبِتُونَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمُنَافِقِينَ " رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ " ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعَرْصَةِ.