وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِحْنَةً وَشِعَارًا يُفَضِّلُونَ بِهَا بَيْنَ إخْوَانِهِمْ وَأَضْدَادِهِمْ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَكَذَلِكَ لَا يُفَاتِحُوا فِيهَا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي عَافِيَةٍ وَسَلَامٍ عَنْ الْفِتَنِ وَلَكِنْ إذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَنْهَا أَوْ رَأَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِتَعْرِيفِهِ ذَلِكَ أَلْقَى إلَيْهِ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَرْجُو النَّفْعَ بِهِ؛ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ فَرْضٌ وَاجِبٌ؛ لِمَا قَدْ تَوَاتَرَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا: أَنَّ " الرُّؤْيَةَ الْمُطْلَقَةَ " قَدْ صَارَ يُفْهَمُ مِنْهَا الْكَرَامَةُ وَالثَّوَابُ فَفِي إطْلَاقِ ذَلِكَ إيهَامٌ وَإِيحَاشٌ وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظًا يُوهِمُ خِلَافَ الْحَقِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْثُورًا عَنْ السَّلَفِ وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مَأْثُورًا. (الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ عَامًّا فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِ بِاللَّفْظِ خُرُوجٌ عَنْ الْقَوْلِ الْجَمِيلِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّخْصِيصِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُرِيدٌ لِكُلِّ حَادِثٍ وَمَعَ هَذَا يُمْنَعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَخُصَّ مَا يَسْتَقْذِرُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا يَسْتَقْبِحُهُ الشَّرْعُ مِنْ الْحَوَادِثِ بِأَنْ يَقُولَ عَلَى الِانْفِرَادِ: يَا خَالِقَ الْكِلَابِ وَيَا مُرِيدًا لِلزِّنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: يَا خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَيَا مَنْ كَلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِمَشِيئَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute