للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. وَأَمَّا " الْأَوَّلُ " فَمُرَادُهُ أَنَّ بَيْنَ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرَكًا؛ كَمَا أَنَّ " الْمَوْجُودَاتِ " تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ وَ " أَنْوَاعُ الْكَلَامِ " تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْكَلَامِ وَقَدْ بُسِطَ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. ثُمَّ إنَّ " طَائِفَةً أُخْرَى " لَمَّا عَرَفَتْ فَسَادَ قَوْلِ ابْنِ كُلَّابٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَوَافَقَتْهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَقُومُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَانَ مِنْ قَوْلِهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا إلَّا قَدِيمٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ أَوْ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَزِمَهَا أَنْ تَقُولَ: إنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ أَوْ أَصْوَاتٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُتَّصِفًا بِتِلْكَ الْأَصْوَاتِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ اللَّازِمَةِ لِذَاتِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ يُذْكَرُ عَنْ " أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ " شَيْخِ أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ - إنْ صَحَّ عَنْهُ - لَكِنَّهُ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ سَالِمٍ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَتْ " الكَرَّامِيَة " وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ: مِنْ الْمُرْجِئَةِ وِ الشيعة وَغَيْرِهِمْ: إنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِأَصْوَاتِ تَقُومُ بِهِ تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ لَكِنَّ ذَلِكَ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ وَأَنَّ اللَّهَ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا إلَّا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَلَامِ وَأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْصُوفًا بِمَا يَحْدُثُ بِقُدْرَتِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ وَهَؤُلَاءِ رَأَوْا أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الْجَمَاعَةَ فِي أَنَّ لِلَّهِ أَفْعَالًا تَقُومُ بِهِ تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَيَقُومُ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ " الْإِرَادَاتِ " وَ " الْكَلَامِ " الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ