للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدُهَا أَنَّهُ لِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ أَنَّ " الْعَرْشَ " فَلَكٌ مِنْ الْأَفْلَاكِ الْمُسْتَدِيرَةِ الْكُرَوِيَّةِ الشَّكْلِ؛ لَا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ. وَلَا بِدَلِيلِ عَقْلِيٍّ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ نَظَرُوا فِي " عِلْمِ الْهَيْئَةِ " وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْفَلْسَفَةِ فَرَأَوْا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تِسْعَةٌ وَأَنَّ التَّاسِعَ - وَهُوَ الْأَطْلَسُ - مُحِيطٌ بِهَا مُسْتَدِيرٌ كَاسْتِدَارَتِهَا وَهُوَ الَّذِي يُحَرِّكُهَا الْحَرَكَةَ الْمَشْرِقِيَّةَ وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ فَلَكٍ حَرَكَةً تَخُصُّهُ غَيْرُ هَذِهِ الْحَرَكَةِ الْعَامَّةِ ثُمَّ سَمِعُوا فِي أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ذِكْرَ " عَرْشِ اللَّهِ " وَذِكْرَ " كُرْسِيِّهِ " وَذِكْرَ " السَّمَوَاتِ السَّبْعِ " فَقَالُوا بِطَرِيقِ الظَّنِّ إنَّ " الْعَرْشَ " هُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ التَّاسِعِ شَيْءٌ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَهُ مَخْلُوقٌ. ثُمَّ إنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ " التَّاسِعَ " هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الْأَفْلَاكَ كُلَّهَا؛ فَجَعَلُوهُ مَبْدَأَ الْحَوَادِثِ وَزَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ فِيهِ مَا يُقَدِّرُهُ فِي الْأَرْضِ أَوْ يُحْدِثُهُ فِي " النَّفْسِ " الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ؛ أَوْ فِي " الْعَقْلِ " الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ هَذَا الْفَلَكُ وَرُبَّمَا سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ الرُّوحَ وَرُبَّمَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ " النَّفْسَ " هِيَ الرُّوحَ وَرُبَّمَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ " النَّفْسَ " هِيَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ كَمَا جَعَلَ " الْعَقْلَ " هُوَ الْقَلَمَ. وَتَارَةً يَجْعَلُونَ " الرُّوحَ " هُوَ الْعَقْلَ الْفَعَّالَ الْعَاشِرَ الَّذِي لِفَلَكِ الْقَمَرِ