وَمِمَّا يُعَارِضُونَ بِهِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا؛ فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، بَلْ عَلَى قَوْلِ الكَرَّامِيَة، مِنْهُ عَلَى قَوْلِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ إذَا كَانَ هُوَ التَّصْدِيقَ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَالتَّصْدِيقُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ، فَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ، بَلْ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى، أَكْثَرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُجَرَّدِ عَنْ اللَّفْظِ، بَلْ لَا يُوجَدُ قَطُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْكَلَامِ وَلَا أَنْوَاعِهِ: كَالْخَبَرِ أَوْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ عِبَارَةٍ وَلَا إشَارَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا؛ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا. وَإِذَا كَانَ اللَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ؛ فَهِيَ لَا تَعْرِفُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا مَا كَانَ مَعْنًى وَلَفْظًا أَوْ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ أَحَدًا مُصَدِّقًا لِلرُّسُلِ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يُصَدِّقُوهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَلَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ صَدَّقَ فُلَانًا أَوْ كَذَّبَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ. كَمَا لَا يُقَالُ: أَمَرَهُ أَوْ نَهَاهُ إذَا قَامَ بِقَلْبِهِ طَلَبٌ مُجَرَّدٌ عَمَّا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا. وَلَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ} ". وَقَالَ: " {إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ} " اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ مِنْ تَصْدِيقٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute