للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ الْحُدُودِ فَإِنَّ أَهْلِ اللُّغَةِ النَّاطِقِينَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إنَّ الرَّأْسَ كَذَا وَالْيَدَ كَذَا وَالْكَلَامَ كَذَا وَاللَّوْنَ كَذَا بَلْ يَنْطِقُونَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ دَالَّةً عَلَى مَعَانِيهَا فَتَعْرِفُ لُغَتَهُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمْ. فَعُلِمَ أَنَّ الْأَخْطَلَ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنْ يَذْكُرَ مُسَمَّى " الْكَلَامِ " وَلَا أَحَدٌ مِنْ الشُّعَرَاءِ يَقْصِدُ ذَلِكَ الْبَتَّةَ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ: إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُفَسِّرُونَ لِلشِّعْرِ أَيْ أَصْلُ الْكَلَامِ مِنْ الْفُؤَادِ وَهُوَ الْمَعْنَى؛ فَإِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ فَلَا تَثِقْ بِهِ؛ وَهَذَا كَالْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ:

لَا يُعْجِبَنَّكَ مِنْ أَثِيرٍ لَفْظُهُ … حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلَامِ أَصِيلَا

إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا … جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا

نَهَاهُ أَنْ يُعْجَبَ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرِ حَتَّى يُعْلَمَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الْأَصْلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلَامِ أَصِيلَا. وَقَوْلُهُ: " مَعَ الْكَلَامِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الظَّاهِرَ قَدْ سَمَّاهُ كَلَامًا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قِيَامُ مَعْنَاهُ بِقَلْبِ صَاحِبِهِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَقَدْ اشْتَمَلَ شِعْرُهُ عَلَى هَذَا وَهَذَا؛ بَلْ قَوْلُهُ: " مَعَ الْكَلَامِ " مُطْلَقٌ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ. أَرَادَ بِهِ أَصْلَهُ وَمَعْنَاهُ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَاللِّسَانُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. و " بِالْجُمْلَةِ " فَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَعْرِفَ مُسَمَّى " الْكَلَامِ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْعِلْمِ. ثُمَّ هُوَ مِنْ الْمُوَلَّدِينَ؛ وَلَيْسَ مِنْ الشُّعَرَاءِ الْقُدَمَاءِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ