للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالُوا: لَا يَكُونُ أَحَدٌ كَافِرًا إلَّا إذَا ذَهَبَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْتَزَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِكُفْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَلَا مَعْرِفَةِ رَسُولِهِ وَلِهَذَا أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِمْ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ وَقَالُوا: هَذَا مُكَابَرَةٌ وَسَفْسَطَةٌ. وَقَدْ احْتَجُّوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} الْآيَةَ. قَالُوا: وَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ لَمْ يُكْتَبْ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانُ. قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ إيمَانًا مُجْزِئًا مُعْتَدًّا بِهِ أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى: لَا يُؤَدُّونَ حُقُوقَ الْإِيمَانِ وَلَا يَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَاهُ. قُلْنَا: هَذَا عَامٌّ لَا يُخَصَّصُ إلَّا بِدَلِيلِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا نَفْيُ الْإِيمَانِ عَمَّنْ يُوَادُّ الْمُحَادِّينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِيهَا أَنَّ مَنْ لَا يُوَادُّ الْمُحَادِّينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَمِنْ بُغْضِ مَنْ يُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ثُمَّ لَمْ تَدُلَّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَرْتَفِعُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ وَالْإِيمَانُ الَّذِي كُتِبَ فِي الْقَلْبِ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ بَلْ هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَلِهَذَا قَالَ: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا