فَلَمَّا قَالَ فِي آيَةِ الْبِرِّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَدَقُوا فِي قَوْلِهِمْ: آمَنَّا فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ وَكَانُوا يَقُولُونَهُ. وَلَمْ يُؤْمَرُوا أَنْ يَلْفِظُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَقُولُوا: نَحْنُ أَبْرَارٌ أَوْ بَرَرَةٌ؛ بَلْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا بَرٌّ فَهَذَا مُزَكٍّ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ اسْمَهَا بَرَّةَ فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ؛ بِخِلَافِ إنْشَاءِ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِمْ: " آمَنَّا " فَإِنَّ هَذَا قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوهُ قَالَ تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} وَكَذَلِكَ فِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} فَقَوْلُهُ: {لَا نُفَرِّقُ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا: آمَنَّا وَلَا نُفَرِّقُ وَلِهَذَا قَالَ: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} فَجَمَعُوا بَيْنَ قَوْلِهِمْ: آمَنَّا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقَدْ قَالَ فِي آيَةِ الْبِرِّ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} فَجَعَلَ الْأَبْرَارَ هُمْ الْمُتَّقِينَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجْرِيدِ وَقَدْ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الِاقْتِرَانِ وَالتَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَمُسَمَّى الْبِرِّ وَمُسَمَّى التَّقْوَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَاحِدٌ فَالْمُؤْمِنُونَ هُمْ الْمُتَّقُونَ وَهُمْ الْأَبْرَارُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute