وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَلَعَنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ عِيدًا وَذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا حَدَثَ الشِّرْكُ فِي بَنِي آدَمَ كَانَ فِي قَوْمِ نُوحٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِهِ إنَّهُمْ قَالُوا: {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فِي قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ عَبَدُوهُمْ؛ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآلِهَةَ صَارَتْ إلَى الْعَرَبِ وَسَمَّى قَبَائِلَ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ. فَلَمَّا عَلِمَتْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَمَ مَادَّةَ الشِّرْكِ بِالنَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ - وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِئَلَّا يُشَابِهَ الْمُصَلِّينَ لِلشَّمْسِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي إنَّمَا يُصَلِّي لِلَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الَّذِي يَقْصِدُ الدُّعَاءَ بِالْمَيِّتِ أَوْ عِنْدَ قَبْرِهِ أَقْرَبَ إلَى الشِّرْكِ مِنْ الَّذِي لَا يَقْصِدُ إلَّا الصَّلَاةَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ عَلِمَ الصَّحَابَةُ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِهِ إنَّمَا هُوَ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute