الِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ وَالْعَمَلَ لَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْإِيمَانِ الْخَاصِّ وَهَذَا الْفَرْقُ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَعْرِفُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَعَامَّةُ النَّاسِ إذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ كُفْرٍ أَوْ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْتَزَمُوا شَرَائِعَهُ وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُمْ مُسْلِمُونَ وَمَعَهُمْ إيمَانٌ مُجْمَلٌ وَلَكِنَّ دُخُولَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ إلَى قُلُوبِهِمْ إنَّمَا يَحْصُلُ شَيْئًا فَشَيْئًا إنْ أَعْطَاهُمْ اللَّهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَصِلُونَ لَا إلَى الْيَقِينِ وَلَا إلَى الْجِهَادِ وَلَوْ شُكِّكُوا لَشَكُّوا وَلَوْ أُمِرُوا بِالْجِهَادِ لَمَا جَاهَدُوا وَلَيْسُوا كُفَّارًا وَلَا مُنَافِقِينَ بَلْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتِهِ وَيَقِينِهِ مَا يَدْرَأُ الرَّيْبَ وَلَا عِنْدَهُمْ مِنْ قُوَّةِ الْحُبِّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مَا يُقَدِّمُونَهُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَهَؤُلَاءِ إنْ عَرَفُوا مِنْ الْمِحْنَةِ وَمَاتُوا دَخَلُوا الْجَنَّةَ. وَإِنْ اُبْتُلُوا بِمَنْ يُورِدُ عَلَيْهِمْ شُبُهَاتٍ تُوجِبُ رَيْبَهُمْ فَإِنْ لَمْ يُنْعِمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُزِيلُ الرَّيْبَ وَإِلَّا صَارُوا مُرْتَابِينَ وَانْتَقَلُوا إلَى نَوْعٍ مِنْ النِّفَاقِ. وَكَذَلِكَ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ الْجِهَادُ وَلَمْ يُجَاهِدُوا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ عَامَّةُ أَهْلِهَا فَلَمَّا جَاءَتْ الْمِحْنَةُ وَالِابْتِلَاءُ نَافَقَ مَنْ نَافَقَ. فَلَوْ مَاتَ هَؤُلَاءِ قَبْلَ الِامْتِحَانِ لَمَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا الَّذِينَ اُبْتُلُوا فَظَهَرَ صِدْقُهُمْ. قَالَ تَعَالَى: {الم} {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} وَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute