انْخَزَلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ. انْخَزَلَ مَعَهُ ثُلُثُ النَّاسِ قِيلَ: كَانُوا نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا قَبْلَ ذَلِكَ كُلُّهُمْ مُنَافِقِينَ فِي الْبَاطِنِ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَاعٍ إلَى النِّفَاقِ. فَإِنَّ ابْنَ أبي كَانَ مُظْهِرًا لِطَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَانِ بِهِ؛ وَكَانَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ يَقُومُ خَطِيبًا فِي الْمَسْجِدِ يَأْمُرُ بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ مَا فِي قَلْبِهِ يَظْهَرُ إلَّا لِقَلِيلِ مِنْ النَّاسِ إنْ ظَهَرَ وَكَانَ مُعَظَّمًا فِي قَوْمِهِ؛ كَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيَجْعَلُوهُ مِثْلَ الْمَلِكِ عَلَيْهِمْ؛ فَلَمَّا جَاءَتْ النُّبُوَّةُ بَطَلَ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ الْحَسَدُ عَلَى النِّفَاقِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ دِينٌ يَدْعُو إلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي الْيَهُودِ فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينِهِ وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ حُسْنَهُ وَنُورَهُ مَالَتْ إلَيْهِ الْقُلُوبُ لَا سِيَّمَا لَمَّا نَصَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَنَصَرَهُ عَلَى يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ صَارَ مَعَهُ الدِّينُ وَالدُّنْيَا؛ فَكَانَ الْمُقْتَضِي لِلْإِيمَانِ فِي عَامَّةِ الْأَنْصَارِ قَائِمًا وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُعَظِّمُ ابْنَ أبي تَعْظِيمًا كَثِيرًا وَيُوَالِيهِ وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ أبي أَظْهَرَ مُخَالَفَةً تُوجِبُ الِامْتِيَازَ؛ فَلَمَّا انْخَزَلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ: يَدَعُ رَأْيِي وَرَأْيَهُ وَيَأْخُذُ بِرَأْيِ الصِّبْيَانِ - أَوْ كَمَا قَالَ - انْخَزَلَ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُنَافِقْ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَفِي الْجُمْلَةِ: فَفِي الْأَخْبَارِ عَمَّنْ نَافَقَ بَعْدَ إيمَانِهِ مَا يَطُولُ ذِكْرُهُ هُنَا؛ فَأُولَئِكَ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَكَانَ مَعَهُمْ إيمَانٌ هُوَ الضَّوْءُ الَّذِي ضَرَبَ اللَّهُ بِهِ الْمَثَلَ فَلَوْ مَاتُوا قَبْلَ الْمِحْنَةِ وَالنِّفَاقِ مَاتُوا عَلَى هَذَا الْإِسْلَامِ الَّذِي يُثَابُونَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute