للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا " الزَّكَاةُ " فَإِنَّهَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ فِي مَالِهِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ يَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ وَإِلَّا فَفِيهِ وَاجِبَاتٌ بِغَيْرِ سَبَبِ الْمَالِ كَمَا تَجِبُ النَّفَقَاتُ لِلْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ وَيَجِبُ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ وَيَجِبُ قَضَاءُ الدُّيُونِ وَيَجِبُ الْإِعْطَاءُ فِي النَّائِبَةِ وَيَجِبُ إطْعَامُ الْجَائِعِ وَكُسْوَةُ الْعَارِي فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ. لَكِنْ بِسَبَبِ عَارِضٍ وَالْمَالُ شَرْطُ وُجُوبِهَا كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ الْبَدَنَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ وَالْمَالُ فِي الزَّكَاةِ هُوَ السَّبَبُ وَالْوُجُوبُ مَعَهُ؛ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا حَمَلَهَا إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ حَقٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ التَّكْلِيفَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. وَأَمَّا عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْجُمْهُورِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فَأَوْجَبُوهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ مَالَهُمَا مِنْ جِنْسِ مَالِ غَيْرِهِمَا وَوَلِيُّهُمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا بِخِلَافِ بَدَنِهِمَا. فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِعَقْلِهِمَا؛ وَعَقْلِهِمَا نَاقِصٌ. وَصَارَ هَذَا كَمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي أَرْضِهِمَا مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الثَّمَانِيَةُ. وَكَذَلِكَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي مَالِهِمَا. وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ إنَّمَا تَسْقُطُ لِعَجْزِ الْعَقْلِ عَنْ الْإِيجَابِ لَا سِيَّمَا إذَا انْضَمَّ إلَى عَجْزِ الْبَدَنِ كَالصَّغِيرِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْمَالِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ قَامَ مَقَامَهُمَا فِي الْفَهْمِ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ فِي الْمَالِ وَأَمَّا بَدَنُهُمَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِيهِ شَيْءٌ.