وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَقَبْلَ أَنْ يَمْتَنِعَ إبْلِيسُ؛ وَقَبْلَ أَنْ يَنْهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيَكُونُ أَكْلُهُ سَبَبَ إهْبَاطِهِ إلَى الْأَرْضِ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيَسْتَخْلِفُهُ مَعَ أَمْرِهِ لَهُ ولإبليس بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُمَا يُخَالِفَانِهِ فِيهِ وَيَكُونُ الْخِلَافُ سَبَبَ أَمْرِهِ لَهُمَا بِالْإِهْبَاطِ إلَى الْأَرْضِ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ مِنْهُمَا مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ فَإِنَّ إبْلِيسَ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ وَأَبْغَضَهُ فَصَارَ عَدُوَّهُ فَوَسْوَسَ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَيُذْنِبُ آدَمَ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ تَأَلَّى إنَّهُ لَيُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى إغْوَاءِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُ لَكِنَّ آدَمَ تَلَقَّى مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ وَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَهَدَاهُ بِتَوْبَتِهِ فَصَارَ لِبَنِي آدَمَ سَبِيلٌ إلَى نَجَاتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ مِمَّا يُوقِعُهُمْ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِالْإِغْوَاءِ وَهُوَ التَّوْبَةُ قَالَ تَعَالَى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} . وَقَدَرُ اللَّهِ قَدْ أَحَاطَ بِهَذَا كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَإِبْلِيسُ أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ لِيُهْلِكَ غَيْرَهُ وَآدَمُ تَابَ وَأَنَابَ وَقَالَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ وَأَنْزَلَهُ إلَى الْأَرْضِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِطَاعَتِهِ؛ فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ وَيَكُونُ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ هَذَا أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ فَمَنْ أَذْنَبَ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ فَاقْتَدَى بِأَبِيهِ آدَمَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ سَعِيدًا وَإِذَا تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute