ابْن كُلَّابٍ والقلانسي، وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَبَيْنَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ فَإِنَّ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ قَوْلُهُ. وَقَوْلُ الْقَلْبِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمُ بَلْ نَوْعًا آخَرُ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَد: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ؟ وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا بِمَا عَرَفَ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ شَيْئَيْنِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا وَمُصَدِّقًا بِمَا عَرَفَ فَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَإِنْ جَحَدَ وَقَالَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ. فَقَدْ أَتَى عَظِيمًا وَلَا أَحْسَبُ امْرَأً يَدْفَعُ الْمَعْرِفَةَ وَالتَّصْدِيقَ.
وَاَلَّذِينَ قَالُوا: الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ. فَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ يَتَضَمَّنُ التَّصْدِيقَ بِاللِّسَانِ. وَالْمُرْجِئَةُ لَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ فِيهِ التَّصْدِيقُ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتَهُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ جَمِيعًا مَعَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ؛ وَمُرَادُهُ بِالْإِقْرَارِ الِالْتِزَامُ لَا التَّصْدِيقُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} فَالْمِيثَاقُ الْمَأْخُوذُ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَنْصُرُونَهُ وَقَدْ أُمِرُوا بِهَذَا وَلَيْسَ هَذَا الْإِقْرَارُ تَصْدِيقًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْهُمْ بِخَبَرِ؛ بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ إذَا جَاءَهُمْ ذَلِكَ الرَّسُولُ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَنْصُرُوهُ. فَصَدَّقُوا بِهَذَا الْإِقْرَارِ وَالْتَزَمُوهُ فَهَذَا هُوَ إقْرَارُهُمْ. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يُقِرُّ لِلرَّسُولِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْتَزِمُ مَا يَأْمُرُ بِهِ مَعَ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَمِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ: إنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ يَكُونُ إيمَانًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute