للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِذَاتِهِ لِأَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَيَمْتَنِعُ قِيَامُ مَعْنًى يُضَادُّ الْعِلْمَ بِذَاتِ الْعَالِمِ وَالْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ الْكَاذِبُ يُضَادُّ الْعِلْمَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: الْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ لَوْ كَانَ خِلَافًا لِلْعِلْمِ لَجَازَ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ ضِدِّهِ كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمُوَافِقُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَقْلِ وَغَيْرِهَا كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي مُحَمَّدِ ابْنِ اللَّبَّانِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ شاذان وَأَبِي الطَّيِّبِ وَأَبِي الْوَلِيدِ الباجي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ؛ فَيَقُولُونَ: الْعَقْلُ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِضِدِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوْعًا مِنْهُ كَانَ خِلَافًا لَهُ وَلَوْ كَانَ خِلَافًا لَجَازَ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ الْعَقْلِ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً - كَمَا ضَعَّفَهَا الْجُمْهُورُ وَأَبُو الْمَعَالِي الجُوَيْنِي مِمَّنْ ضَعَّفَهَا - فَإِنَّ مَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ضِدًّا لَهُ إذْ قَدْ اجْتَمَعَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ نَوْعِهِ؛ بَلْ هُوَ خِلَافٌ لَهُ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ الَّذِي يُقَسِّمُونَ فِيهِ كُلَّ اثْنَيْنِ إلَى أَنْ يَكُونَا مِثْلَيْنِ أَوْ خِلَافَيْنِ أَوْ ضِدَّيْنِ فَالْمَلْزُومُ كَالْإِرَادَةِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ كَالْعِلْمِ مَعَ الْحَيَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ضِدًّا وَلَا مَثَلًا؛ بَلْ هُوَ خِلَافٌ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ اللَّازِمِ فَإِنَّ ضِدَّ اللَّازِمِ يُنَافِيه وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ مُحَالٌ كَوُجُودِ الْإِرَادَةِ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالْعِلْمِ بِدُونِ الْحَيَاةِ فَهَذَانِ خِلَافَانِ عِنْدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ. كَذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَقْلِ فَكُلُّ عَالِمٍ عَاقِلٌ وَالْعَقْلُ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ فَلَيْسَ مِثْلًا لَهُ وَلَا ضِدًّا وَلَا نَوْعًا مِنْهُ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ الْعَقْلِ