للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُسْتَثْنَى فِي الْإِيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ أَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَسْتَثْنِي عَلَى الْيَقِينِ لَا عَلَى الشَّكِّ؛ ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. فَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَد فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ يَسْتَثْنِي مَعَ تَيَقُّنِهِ بِمَا هُوَ الْآنَ مَوْجُودٌ فِيهِ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ وَيَسْتَثْنِي لِكَوْنِ الْعَمَلِ مِنْ الْإِيمَانِ؛ وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ أَكْمَلَهُ بَلْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَنَفَى الشَّكَّ وَأَثْبَتَ الْيَقِينَ فِيمَا يَتَيَقَّنُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَثْبَتَ الشَّكَّ فِيمَا لَا يَعْلَمُ وُجُودَهُ وَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُسْتَحَبٌّ لِهَذَا الثَّانِي الَّذِي لَا يَعْلَمُ هَلْ أَتَى بِهِ أَمْ لَا وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا لِمَا يَتَيَقَّنُهُ فَلَوْ اسْتَثْنَى لِنَفْسِ الْمَوْجُودِ فِي قَلْبِهِ جَازَ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ} وَهَذَا أَمْرٌ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ كَوْنُهُ أَخْشَانَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَرْجُو أَنْ يَصِيرَ أَخْشَانَا لِلَّهِ؛ بَلْ هُوَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ حِينَ هَذَا الْقَوْلِ أَخْشَانَا لِلَّهِ. كَمَا يَرْجُو الْمُؤْمِنُ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَقَبَّلَهُ مِنْهُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ تَقَبَّلَهُ مِنْهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {هُوَ الرَّجُلُ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ} وَالْقَبُولُ هُوَ أَمْرٌ حَاضِرٌ أَوْ مَاضٍ وَهُوَ يَرْجُوهُ وَيَخَافُهُ وَذَلِكَ أَنَّ مَا لَهُ عَاقِبَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ مَحْمُودَةً أَوْ مَذْمُومَةً وَالْإِنْسَانُ يَجُوزُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ. يُقَالُ: إنَّهُ يَرْجُوهُ وَإِنَّهُ يَخَافُهُ. فَتَعَلَّقَ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ بِالْحَاضِرِ وَالْمَاضِي لِأَنَّ عَاقِبَتَهُ الْمَطْلُوبَةَ وَالْمَكْرُوهَةَ مُسْتَقْبَلَةٌ. فَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَقَبَّلَ عَمَلَهُ فَيُثِيبَهُ عَلَيْهِ فَيَرْحَمَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَيَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ