يَكُونُ فِي الْجَمِيعِ مُسْتَثْنِيًا لِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ وَإِنْ كَانَتْ إرَادَتُهُ لِلْمَحْلُوفِ بِهِ جَازِمَةً فَقَدْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَهُوَ يَجْزِمُ بِإِرَادَتِهِ لَهُ لَا يَجْزِمُ بِحُصُولِ مُرَادِهِ وَلَا هُوَ أَيْضًا مُرِيدٌ لَهُ بِتَقْدِيرِ أَلَّا يَكُونَ؛ فَإِنَّ هَذَا تَمْيِيزٌ لَا إرَادَةَ فَهُوَ إنَّمَا الْتَزَمَهُ إذَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا لَمْ يَشَأْهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِيَمِينِهِ وَلَا حَلَفَ أَنَّهُ يَكُونُ: وَإِنْ كَانَتْ إرَادَتُهُ لَهُ جَازِمَةً فَلَيْسَ كُلُّ مَا أُرِيدَ الْتَزَمَ بِالْيَمِينِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ يَكُونُ مَعَ كَمَالِ إرَادَتِهِ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ يَقُولُهَا لِتَحْقِيقِ الْمَطْلُوبِ؛ لِاسْتِعَانَتِهِ بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ لَا لِشَكِّ فِي الْإِرَادَةِ هَذَا فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَيُرِيدُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَمَّا أَرَادَ اللَّهُ كَوْنَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنْ سَيَكُونُ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِقَوْلِهِ: {إنْ شَاءَ اللَّهُ} فَكَذَلِكَ مَا يُخْبِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ مُسْتَقْبَلِ أَمْرِهِ مِمَّا هُوَ جَازِمٌ بِإِرَادَتِهِ، وَجَازِمٌ بِوُقُوعِهِ فَيَقُولُ فِيهِ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ لَا لِلشَّكِّ لَا فِي إرَادَتِهِ وَلَا فِي الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ. وَلِهَذَا يَذْكُرُ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَ كَمَالِ الرَّغْبَةِ فِي الْمُعَلَّقِ، وَقُوَّةِ إرَادَةِ الْإِنْسَانِ لَهُ. فَتَبْقَى خَوَاطِرُ الْخَوْفِ تُعَارِضُ الرَّجَاءَ؛ فَيَقُولُ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لِتَحْقِيقِ رَجَائِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنْ سَيَكُونُ كَمَا يَسْأَلُ اللَّهَ وَيَدْعُوهُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ قَدْ أَخْبَرَهُمْ بِمَصَارِعِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ هُوَ بَعْدَ هَذَا يَدْخُلُ إلَى الْعَرِيشِ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي} لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَا يُقَدِّرُهُ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ قَدَّرَهُ بِأَسْبَابِ، وَالدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute