للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْرِفَةِ يَزُولُ عَنْهُ عِنْدَهُمْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَتُبَاحُ لَهُ الْمَحْظُورَاتُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبَاتُ فَتَظْهَرُ أَضْغَانُهُمْ وَتَنْكَشِفُ أَسْرَارُهُمْ وَيَعْرِفُ عُمُومُ النَّاسِ حَقِيقَةَ دِينِهِمْ الْبَاطِنِ حَتَّى سَمَّوْهُمْ بَاطِنِيَّةً؛ لِإِبْطَانِهِمْ خِلَافَ مَا يُظْهِرُونَ. فَلَوْ كَانَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - دِينُ الرُّسُلِ كَذَلِكَ لَكَانَ خَوَاصُّهُ قَدْ عَرَفُوهُ وَأَظْهَرُوا بَاطِنَهُ. وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ جِنْسِ دِينِ الْبَاطِنِيَّةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَانُوا أَعْلَمَ النَّاسِ بِبَاطِنِ الرَّسُولِ وَظَاهِرِهِ وَأَخْبَرَ النَّاسِ بِمَقَاصِدِهِ وَمُرَادَاتِهِ كَانُوا أَعْظَمَ الْأُمَّةِ لُزُومًا لِطَاعَةِ أَمْرِهِ - سِرًّا وَعَلَانِيَةً - وَمُحَافَظَةً عَلَى ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَبِهِ أَخَصُّ وَبِبَاطِنِهِ أَعْلَمُ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - كَانُوا أَعْظَمَهُمْ لُزُومًا لِلطَّاعَةِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَمُحَافَظَةً عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَقَدْ أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ مَلَاحِدَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ: الَّذِينَ يَجْعَلُونَ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ وَاجِبًا عَلَى السَّالِكِ حَتَّى يَصِيرَ عَارِفًا مُحَقِّقًا فِي زَعْمِهِمْ؛ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَيَتَأَوَّلُونَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} زَاعِمِينَ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينُ هُنَا الْمَوْتُ وَمَا بَعْدَهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} . قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ