فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِهِ. وَكَانَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَفِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَنَاقِضِينَ حَيْثُ قَالُوا: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ لَا يَزُولُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ حَتَّى إنَّ ابْنَ الْخَطِيبِ وَأَمْثَالَهُ جَعَلُوا الشَّافِعِيَّ مُتَنَاقِضًا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَلَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ كَلَامٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ " الْأُمِّ " إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَمَّا صَنَّفَ ابْنُ الْخَطِيبِ تَصْنِيفًا فِيهِ وَهُوَ يَقُولُ فِي الْإِيمَانِ بِقَوْلِ جَهْمٍ والصالحي اسْتَشْكَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَرَآهُ مُتَنَاقِضًا. وَجِمَاعُ شُبْهَتِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُرَكَّبَةَ تَزُولُ بِزَوَالِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا كَالْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ إذَا زَالَ بَعْضُهَا لَمْ تَبْقَ عَشَرَةً؛ وَكَذَلِكَ الْأَجْسَامُ الْمُرَكَّبَةُ كالسكنجبين إذَا زَالَ أَحَدُ جُزْأَيْهِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ سكنجبينا. قَالُوا فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ مُرَكَّبًا مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ لَزِمَ زَوَالُهُ بِزَوَالِ بَعْضِهَا. وَهَذَا قَوْل الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ كَافِرًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ فَيَقُومُ بِهِ كُفْرٌ وَإِيمَانٌ وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِهَذِهِ الشُّبْهَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - امْتَنَعَ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَقُولَ بِنَقْصِهِ؛ كَأَنَّهُ ظَنَّ: إذَا قَالَ ذَلِكَ يَلْزَمُ ذَهَابَهُ كُلَّهُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute