للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ - عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَنَحْوِ ذَلِكَ - وَلَعَنَ أَهْلَهُ تَحْذِيرًا مِنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَصْلُ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فِي قَوْمِ نُوحٍ. فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوهُمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْأَصْنَامَ عَلَى صُوَرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ. فَمَنْ فَهِمَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُعِينُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْإِعَانَةَ الْمُطْلَقَةَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِالْمَخْلُوقِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِغَاثَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ وَالتَّوَكُّلُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَيْهِ {وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فَالنَّصْرُ الْمُطْلَقُ - وَهُوَ خَلْقُ مَا يَغْلِبُ بِهِ الْعَدُوَّ - لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرَائِعِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ: فَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى بَنِي إسْرَائِيلَ عَنْ دُعَاءِ الْأَمْوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشِّرْكِ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ عُقُوبَةِ اللَّهِ لِمَنْ فَعَلَهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَاحِدٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ شَرَائِعُهُمْ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ} .